إطلالة على كتاب: ما لا يسع أطفال المسلمين جهله
منذ 20 ساعة مع إطلالة جديدة ضمن سلسلة (إطلالة على كتاب) وكتابنا
الحالي بعنوان: ما لا يسع أطفال المسلمين جهله الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق
الإنسان وعلمه البيان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد: فمع إطلالة جديدة ضمن سلسلة (إطلالة
على كتاب) وكتابنا الحالي بعنوان: ما لا يسع أطفال المسلمين جهله (وهو منهج يسير
سهل متكامل في العقيدة، والفقه، والسيرة، والآداب، والتفسير، والحديث، والأخلاق،
والأذكار) أما مؤلف الكتاب فهو الشيخ: يزن الغانم أبو قتيبة، كاتب وباحث شرعي، مهتم بعلم
العقيدة الإسلامية، إمام وخطيب، درس في الثانوية الشرعية في درعا، درس في كلية
الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية، دبلوم في فقه الخلاف والحوار، ودبلوم في
النظام السياسي الإسلامي الكتاب رُتِّبْ على حسب الفنون، و(على طريقة السؤال
والجواب؛ لأن ذلك أشحذ للذهن، وأرسخ للحفظ، ويختار المربي منها ما يناسب سنهم) والكتاب متوفر
مجانًا على الإنترنت وكذلك موجود على شكل مقاطع مرئية شيقة للأطفال، ويقع الكتاب
في (146) صفحة بأسلوب السؤال والجواب وهي طريقة مناسبة للمبتدئين والصغار، ولذا
فهو (يصلح للصبيان ولحديثي الإسلام وللأعمار كافة، ويعطى في البيوت والمحاضن
ومعاهد التدريس، ويسهل حفظه وشرحه) كما يمكن للأم أو الأب أو المربي الأسري أن
يستفيد منه في تعليم من تحت رعايته.
والكتاب -كما تقدم- مقسم حسب الفنون، فقسم العقيدة به
(42) سؤال وجواب، بدأها بالأصول الثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وكذلك سؤال:
أين الله عَزَّ وَجَلَّ؟ والشهادتين والولاء والبراء كما عرج على الصحابة وأمهات المؤمنين
وكذلك بعض أسماء الله تَعَالَى وصفاته وشرح مختصر لها وغيرها من الأسئلة في قسم
العقيدة. والقسم الثاني الفقه وبه (48) سؤال وجواب متضمنه الحديث عن الطهارة
والصلاة بشيء من التفصيل ثم جاء الحديث عن بقية أركان الإسلام باختصار وكان آخر سؤال:
ما هو الجهاد في سبيل الله؟ أما القسم الثالث فكان من نصيب السيرة وذلك في (32)
سؤال وجواب حول حياة النبي صلى الله عليه وذلك باختصار شديد وذلك في أسئلة من نحو:
ما نسب نبينا محمد ﷺ؟ كيف كان النبي ﷺ يدعو الناس خارج مكة؟ ما أهم غزواته ﷺ؟ اذكر
أزواج النبي ﷺ؟ على أي شيء ترك النبي ﷺ أمته؟ وهذا القسم مختصر بشكل لافت ولو أنه
توسع أكثر لكان أفضل. وفي التفسير (17) سورة ابتداء بالفاتحة ثم الزلزلة إلى الناس
حيث يورد السورة ثم يتبعها بتفسير مختصر لكل آية، وهاك نموذج منها: التفسير: {﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾} : قل -يا أيها الرسول-:
هو الله لا إله غيره. {﴿ٱللَّهُ
ٱلصَّمَدُ﴾} : أي: ترفع إليه حاجات الخلق. {﴿لَمۡ
يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ﴾} : فلا ولد له سُبْحَانَهُ ولا والد. {﴿وَلَمۡ
يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾} : ولم يكن له مماثل من خلقه. ويلي التفسير قسم الحديث ويحتوي على
(14) حديثًا قصيرًا أو قطعة من حديث ما عدا حديث واحد طويل هو حديث جبريل -عليه
السلام- ثم يتبع الحديث بذكْر بعض الفوائد منه، ومن الأحاديث الوارد ذكرها: «من حلف
بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك» «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده،
والناس أجمعين» «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد
الجسد كله، ألا وهي القلب» «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة» «من
حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه» والفوائد التي ذكرت لهذا الحديث هي: ترك ما لا يعني
الإنسان من أمور دين غيره ودنياه.
أن ترك ما لا يعني من كمال إسلامه. أما قسم الآداب فقد جاء في (27) سؤالًا
ابتداء بالأدب مع الله تعالى ورسوله والوالدين وانتهاء بآداب الدعاء وآداب
التلاوة، وهذا القسم مع قسم الأخلاق من أروع الأقسام في هذا الكتاب. ثم يأتي قسم
الأخلاق ويحتوي على (20) سؤالًا، وأول سؤال هو: ما فضل حسن الخلق؟ بعده: لماذا
نلتزم الأخلاق الإسلامية؟ ثم: من أين نأخذ الأخلاق؟ بعد ذلك يجيء الحديث عن طائفة
من الخلاق الحسنة والسيئة مثل: الإحسان، الأمانة، الصدق، الصبر، التعاون، الحياء،
الرحمة، المحبة، البشاشة، التواضع، الحسد، الاستهزاء، الكِبْرُ، الغِيبة، الغش،
النميمة، الكسل، الغضب، التجسس، الإسراف وغيرها، أما خاتمة الأسئلة فكان: ما
الأسباب التي تعين المسلم على التخلق بالأخلاق الحسنة؟ بعد قسم الأخلاق يأتي قسم
الأدعية الأذكار ويحتوي على (43) سؤال بُدِأت بفضل الذكر وفوائده ثم بعض الأذكار
مثل: الأذكار المتعلقة بالنوم، واللباس، والخلاء، والوضوء، والمنزل، والمسجد،
والأذان، والصباح والمساء، والنوم، والطعام، وغيرها من الأذكار، أما الأدعية فقد
جاء منها: دعاء كفارة المجلس، والركوب، والسفر، والغضب، والمطر، والريح، والدعاء
إذا رأيت مبتلى وختم هذا القسم بسؤال: كيف تصلي على النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ؟ وآخر قسم في هذا الكتاب هو: قسم المنوعات كالأحكام التكليفية
الخمسة، وأعياد المسلمين، وما الواجب إذا رأيت امرأة أجنبية؟ وما صفات حجاب المرأة
المسلمة؟ والتوبة، وطريق العز والنصر للمسلمين، وأهمية الدعاء وغيرها من الموضوعات. وفي ختام هذه
الإطلالة نذكر بعض التنبيهات والمقترحات والأفكار النافعة بإذن الله تعالى: تصميم وإخراج
الكتاب رائع من الداخل إلا أن الغلاف سيء التصميم ويفضل استبداله بتصميم أفضل. قسم السيرة
النبوية مختصر جدًا يحتاج – حسب رأيي- إلى توسع مع التركيز على استخراج الجانب
العملي منها. لو أضيف قسمين أحدهما حول الأنبياء عليهم السلام والآخر حول الصحابة رضي
الله عنهم والتأدب معهم. في قسم التفسير لو أضيفت آية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة
لكان أحسن. في قسمي التفسير والحديث لو أتبعت كل سورة وحديث بإرشادات عملية للطالب مستخرجة
من السورة أو الحديث. في قسم الأذكار والأدعية لو أضيف عدد من جوامع أدعية النبي صلى
الله عليه وسلم فهي جامعة وقصيرة.
الكتاب مناسب جدًا لعمل المسابقات، وتحويله على شكل
ألعاب تعليمية. يمكن عمل نسخة الكتاب على شكل بطاقات وكذلك تطبيق للجوالات. وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
========================================.
السعادة الزوجية وعدم التسرع في الطلاق منذ 21 ساعة هذا هو بيتُ النبوةِ الذي ما خلا من الخلافِ الزوجي، ويريد البعضُ في حياتِه أن يخلوَ بيتُه من الخلافِ والمشكلات، وكأنه يطلب الكمالَ مع أنه هو لم يصِلْ إلى الكمال، ففيه من التقصيرِ والخللِ الشيء الكثير الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكرُ له على ما أَوْلى من نِعَمٍ سابغةٍ وأسدى، أحمده سبحانه وهو الوليُّ الحميد، وأتوبُ إليه - جلَّ شأنه - وهو التواب الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها النجاةَ يوم القيامة، ونَدَّخِرُها عُدةً لنا يومَ لا ينفع مال ولا بنون، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وخليلُه وصفيُّه من خلقِه، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الأبرار، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى، فهي وصيةُ الله للأوَّلين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]. أيها الإخوة، في يومٍ من أيام المدينة النبويةِ المشرقةِ في عهدِ ساكنِها نبيِّ الأمَّةِ - عليه الصلاة والسلام - دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ – رضي الله عنه - يَسْتَأْذِنُ عَلَيه، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ، فلما استأذن أبو بكر - رضي الله عنه - أُذن له فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا حَوْلهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا لأمرٍ أَهَمَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عمرُ - رضي الله عنه -: لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ - هي زوجُ عمر - سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا - أي ضربتها - فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي - كَمَا تَرَى - يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ، وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ، كِلاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟! فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]، قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ – رضي الله عنها -، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ»، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَتَلا عَلَيْهَا الآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَلَّا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: «لا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا». هذا هو بيتُ النبوةِ الذي ما خلا من الخلافِ الزوجي، ويريد البعضُ في حياتِه أن يخلوَ بيتُه من الخلافِ والمشكلات، وكأنه يطلب الكمالَ مع أنه هو لم يصِلْ إلى الكمال، ففيه من التقصيرِ والخللِ الشيء الكثير. إن في هذا الحديث يتضحُ لنا كمالُ خُلقِه صلى الله عليه وسلم وحُسْنُ عشرتِه لأزواجِه، فلم يُعَنِّفْهُنَّ أو يستدعي آباءهنَّ، وإنما كانَ دخولُ الصِّدِّيقِ والفاروقِ مِن قدرِ اللهِ دونَ استدعاءٍ منهُ صلى الله عليه وسلم لهما، وكذلك سكتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن حقِّهِ وهو النبيُّ الكريم، وهو صاحبُ الرسالةِ للثَّقَلَيْنِ. عباد الله، لنعلم أنَّ أَوْلَى الناسِ بحُسْنِ الخلقِ بعدَ الوالدين الزوجةُ، فهي رفيقةُ العمرِ، وهي أمُّ أولادِك، وهي التي تُربِّيهم وتسهرُ معهم إذا كانوا صغارًا أو مرضى، ولأنَّ اللهَ - عز وجل - سمَّى عقدَ النكاحِ ميثاقًا غليظًا، وجعلَ حياةَ الزوجين مِنْ آياتِه، فقد قال في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، نعم لتسكنوا إليها، وكذلك هُنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنَّ، فما أسعدَ الحياةَ إذا استقى أصحابُها تعاليمَهم من الوَحْيَيْنِ، وطَبَّقَ الجميعُ ذلكَ في واقعِ عيشِهم! فاللهُ أعلمُ بما يُصلحُ البشر؛ إذ هو الذي خلقَهُم، وهو أعلمُ بهِم وهم أَجِنَّةٌ في بطونِ أُمَّهاتِهم. إخوةَ الإيمان، لا يُمكنُ أن يكونَ هناك كمالٌ من الإنسان؛ لأنَّ الإنسانَ من شأنِه القُصور، فليصفح كلٌّ مِنَ الزوجين عن الزلَّاتِ والهفوات، وإنَّ من الخللِ أن يتخلَّقَ بالتسامحِ مع كلِّ الناسِ إلا مع رفيقةِ دَرْبِه، فهذه هُوَّةٌ سحيقةٌ في الحياةِ الزوجية، إنَّه لا يسعدُ بهناءِ الحياةِ إلا من عاشَ حياةَ التغافلِ، فقد كان هذا من هَدْيهِ صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى عنه: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: 3]. إن إحقاقَ الأمورِ على آخرِها، وعدمَ تقديمِ الزوجينِ تنازلاتٍ فيما بينهما، وأنْ يريدَ كُلٌّ منهما محاسبةَ الآخرِ على الصغيرِ والنقيرِ والقطمير، فإنَّ الحياةَ لن تصفوَ بذلك، ولن يستقيمَ العيشُ بهذا التصرُّف، في الصحيحين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإن المرأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع، وإن أعوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصوا بالنساء، وقد قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي»؛ (صحيح الترمذي). انظروا إلى تصرُّفِه صلى الله عليه وسلم عندما غارت عائشةُ - رضي الله عنها – وكسرتِ الصحفة كما في الصحيح، فلقد أرسلتْ إحدى أمهاتِ المؤمنينَ بصحفةٍ فيها طعامٌ، فضربتْ يدَ الخادم، فسقطتِ الصحفةُ فانفلقتْ فجمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفةِ، ثمَّ جَعَلَ يجمعُ الطعامَ الذي كان في الصحفةِ ويقول: «غارتْ أمُّكُم» ، ثم حبسَ الخادمَ حتى أُتِيَ بَصَحْفَةٍ مِنْ عندِها، فدفَعَ الصحفةَ الصحيحةَ إلى التي كُسِرتْ صحفتُها، وأمسكَ المكسورةَ في بيت التي كَسَرَت، نعم صدق الحق إذ يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ما أروع تلك الأخلاق، إنه حافظ على قلبِ حبيبتِه عائشةَ – رضي الله عنها - فلم يكسرْ قلبَهَا، ولم يخدشْ شعورَها، وأما كَسْرُ الصحفةِ فإنَّهُ ينجبرُ بالتعويض، ومع هذا دافعَ عنها بقوله: «غارَتْ أُمُّكُم» ، وكأنَّ شيئًا لم يكن، فما أنبل تلك الخصال منه عليه الصلاة والسلام! عبدَ الله، سعادتُك الزوجيةُ لا تعني خُلُوَّ الحياةِ من المشكلاتِ، وإنما تَعْني قُدْرتكَ على حَلِّ تلك المشكلاتِ، وألَّا تؤثرَ في العلاقةِ بينَك وبينَ زوجِك. إن من الناس من لا يرعَى حالاتِ الغضبِ من المرأةِ خاصةً من حديثي الزواج؛ ولذلك كثرتْ نِسبُ الطلاقِ عند الشباب، فإنَّ المرأةَ فيها أحوالٌ بدنيةٌ وتركيباتٌ نفسيةٌ وعضويةٌ تؤدِّي بها إلى تغيُّرِ أحوالِها؛ لأنها تأتيها ظروفُ الحيضِ والنفاسِ، وكذلك أول شهورِ الحملِ وما فيه من الوحم، وكذلك همومُ التربيةِ ورعايةِ الصِّغارِ، فينبغي للرجلِ أن يتفهمَ ذلك، وأن يعرفَ أحوالَ وخصائصَ المرأةِ وما جَبَلَها اللهُ عليها. معاشرَ الأزواج، الحوارُ له وقتُه وليسَ في أيِّ وقت، فاجتنبِ النقاشاتِ عند الغضبِ أو أمامَ الأبناءِ ولو كانوا أطفالًا؛ لأنه ربما سيحتدُّ الخلافُ، وترتفعُ الأصواتُ، وتعظمُ المشاكلُ، بدلًا من أن يتمَّ الوصولُ إلى حلٍّ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ في هذه الحالةِ يريدُ أن ينتصر، فأصبحَ شريكُ الحياةِ خَصْمًا بدلَ أن يصيرَ رفيقَ العمر، وأين خُلُقُ العفوِ عند الخطأ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنةً، إذا كرِهَ منها خُلُقًا رضِيَ منها آخر»؛ (مسلم). إنَّ من يريدُ الكمالَ في الحياةِ الزوجيةِ بلا نَقْصٍ فليبقَ بلا زوجةٍ، ولينتظرِ الحورَ العينَ في الآخرة، فإن الحياةَ هكذا لا تَكْملُ لأحدٍ ولا تتزينُ لكلِّ أحد، فنبيُّنا صلى الله عليه وسلم سيدُ الخلقِ لم تَكملْ له الدنيا، بل قَبِلَها على ما قَدَّرَ اللهُ له، وصَبَرَ وأَحسنَ العِشْرةَ والصُّحْبةَ عليه الصلاة والسلام. أيها الإخوة، فحينما يُقَدِّرُ اللهُ للحياةِ الزوجيةِ ألا تلتئم، وتُسْتَنْفَد كلُّ الحلولِ فلا تنفع، فقد قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، نعم قد يُقدِّر اللهُ ذلك بعد دراسةٍ وعدمِ تَسَرُّعٍ من الزوج، فحينئذٍ له أن يُطلِّقَ الطلاقَ بأحكامِه الشرعية، فلماذا عِنْدَ هذا الحدثِ تتغيرُ بعضُ النفوسِ ويظهرُ العبوس؟ وكأنها معركةٌ مع عدوٍّ لا يستحقُّ الرحمةَ ولا حُسْنَ التعامُل؟ ما الذي يفعلُه بعضُ الناسِ الآن؟ طلاقٌ بلا علمٍ ولا تَبَصُّرٍ بالأحكام، فبمجردِ ما يَغضبُ بعضُ الأزواجِ يُصدرُ هذه الكلمةَ وكأنَّهُ متأثرٌ بالمسلسلاتِ الهابطة، وكأنَّ بعضَ هؤلاءِ الفُسَّاقِ أصبحوا قدوتَهم في ذلك. فهل عَلِمَ هؤلاءِ أن الطلاقَ لا يجوز أثناءَ الحيض؟ وهل علموا أنَّ الطلاقَ لا يجوزُ في الطُّهْرِ الذي أتى فيه أهلَه؟ وهل علموا أن الطلاقَ الثلاثَ مخالفٌ للكتابِ والسُّنَّة؟ ألا يقرءونَ الوَحْيَيْن، أم تصدرُ أفعالُهم تبعًا لأهوائهم دونَ علمٍ ولا تأنٍّ ولا رَويَّة؟ قال اللهُ تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}؛ أي: إنَّ الذي فيه الرجعةُ مرتان، فإنْ راجعَها فقد أمسَكَها، وإن تركَها حتى تنقضيَ عدتُها قد سَرَّحَها، وتأملوا قولَه: {مَرَّتَانِ}؛ ولم يقلْ: طلقتان تنبيهًا على أنَّه ينبغي أن يكونَ مرةً بعد مرة، كلُّ طلقةٍ في مرةٍ لا أن يجمعَها مرةً واحدةً، وتأمَّلوا كلمةَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} فهي تشيرُ إلى الحِرْصِ والحياطةِ والحِفْظ، وأنه ينبغي إذا أعادها أن ينظرَ كيفَ سيعاملُها، وكيف ستكونُ عشرتُه لها، وإن كان الثاني وتَعَذَّرَ الإمساكُ، وكانَ الحلُّ هو الفِراق، فهنا يكون اللُّطْفُ أيضًا، فقال تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ}، يا لها من كلمةٍ! ما ألطفَها في موقفٍ لا يَعرفُ فيه الكثيرُ إلا العنف! فلم يقل سبحانه: أو فراقٌ أو طردٌ أو إبعادٌ؛ بل قال: {تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فأين هذا من صراخِ بعضِهم، وعباراتِ السبِّ واللَّعْنِ والتهديد؟ لقد ذَكَرَ اللهُ تعالى في المطلقةِ قبلَ الدخولِ أنَّ لها نصفَ المهر، والزوجُ لم يدخلْ بها ولم يطلْ مكوثُه مَعَها، ومع ذلك قال تعالى في نهاية الآية: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، ما أعظم الأخلاق التي يدعو إليها القرآن! لكن أينَ المتدبِّرون؟! ويجدرُ التنبيهُ للزوجةِ أيضًا أنَّ بعضَهنَّ تسألُ زوجَها الطلاقَ لغيرِ حاجة، كما نسمعُ في هذا الزمنِ كثيرًا، وأغلبُهُنَّ تطلبُه لأسبابٍ دُنيويةٍ تافهة، إمَّا لأنَّ زوجَها لا يسمحُ لها بالذهابِ مع صاحباتِ السوء، أو لا يسمحُ لها بالسفر وحدها، أو تريد التحرُّرَ من أوامرِ زوجها، وصَوَّرَ لها بعضُ شياطينِ الإنسِ أن طاعتَها لزوجِها ذِلٌّةٌ ومهانةٌ، وبعضُهنَّ تصل إلى إنكارِ ما جاءَ في القرآنِ بالقوامةِ، وكل هذا وذاك كان نتيجةً لما يرينَهُ في وسائلِ الإعلامِ السيئة، ومن طلبتِ الطلاق لغيرِ حاجةٍ معتبرةٍ، فقد وقعتْ في كبيرةٍ من كبائرِ الذنوب، وعَجَّلتْ لنفسِها حياةَ الذلِّ، وسترى ذلك بعد سنوات، حينما ترى نساءً قد كَبُرْنَ وبدأ أبناؤُهنَّ وبناتُهنَّ يُحِطْنَها بالرعايةِ والحفظ، وتلك منبوذةٌ وحيدةٌ، قد آثرتْ شبابَها، فإذا كَبرتْ علمتْ أن صويحباتِ السوءِ قد غرَّرْنَ بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة»؛ (رواه أبو داود وصححه الألباني). وصلوا وسلموا على من أُمِرْتُم بالصلاة والسلام عليه. ======.
علاقات الرسول صلى الله عليه وسلم الأسرية
منذ 2024-08-06
لم تعرف المرأة عشرة زوجية بالمعروف، كما تعنيه هذه العشرة
من كمال لأحد من البشر كما عرفته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، المبين للقرآن
بحاله وقاله وأفعاله. 1- تمثل خلق
العشرة بالمعروف عند النبي صلى الله عليه وسلم. لم تعرف المرأة عشرة زوجية بالمعروف،
كما تعنيه هذه العشرة من كمال لأحد من البشر كما عرفته لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، المبين للقرآن بحاله وقاله وأفعاله. حيث كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم
معهن أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك
نساءه، حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - في البرية في بعض
سفراته يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم،
ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني فقال: «هذه بتلك» وكان يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي
يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم
تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن
كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً
قبل أن ينام يؤنسهم بذلك صلى الله عليه وسلم قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار خيرية الرجال في حسن عشرة الزوجات فقال:
«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (الترمذى). وذلك لأن التَّصنُّع والتظاهر بمكارم
الأخلاق يضعف حين يشعر الإنسان بأن له سلطة ونفوذاً، ثم يشتد ضعفاً حينما تطول
معاشرته لمن له عليه السلطة، فإذا ظل الإنسان محافظًا على كماله الخُلقي في مجتمع
له عليه سلطة، وله معه معاشرة دائمة ومعاملة مادية وأدبية، فذلك من خيار الناس
أخلاقًا. فإن كان النبي صلى الله عليه سلم خير الناس لأهله، فإن معاشرته لهم لا بد أن
تكون مثالية حقًا، في كل ما تعنيه الخيرية من كمال خُلُقي في السًّلوك، والتَّعامل
الأدبي، والتعاملي؛ من محبة وملاعبة، وعدل ورحمة، ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه
الحياة الزوجية في جميع أحوالها وأيامها، كما أوضحت ذلك كتب السنة والشمائل
والسيرة، وذلك هو ما دلت عليه السنة المشرفة بأحاديثها الكثيرة من سلوكه صلى الله
عليه وسلم معهن ومعاملته لهن. (
أ ) فعن محبته لهن يحدِّث أنس بن مالك - رضي الله عنه -
فيقول: 1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حُبِّبَ إليَّ من الدنيا: النساء والطيب
وجعل قرة عيني فـــــي الصلاة» (أحمد وغيره). 2- وسأله عمرو بن العاص - رضي الله
عنه - قائلاً: يا رسول الله من أحـــــــبَّ الناس إليك ؟ قال: «عائشة» قال: من
الرجال ؟ قال: «أبوها» (الترمذي). (
ب ) وأما ملاعبته أهله فتحدثنا عنها عائشة - رضي الله
عنها - فتقول: 1- كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحبُ
يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن - أي يتغيَّبن - منه فيُسرِّبُهن
إلي فيلعبن معي (البخاري في الأدب).
2- وقالت عائشة - رضي الله عنها - رأيت النبي صلى الله
عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر - رضي
الله عنه -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعهم،
أمنًا بني أرفِدة» يعني من الأمن.
(البخارى).
وفي لفظ قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقوم علـى باب حِجرتي، - والحبشة يلعبون بِحِرابهم، في مسجد رسول الله صلى الله
عليه وسلم - يسترني بردائه، لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكونَ أنا الَّتي
أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو. 3- وقد مر حديث مسابقته صلى الله عليه
وسلم لعائشة - رضي الله عنها - الدال على لعبه صلى الله عليه وسلم مع نسائه بنفسه
الشريفة تلطُّفًا بهن، وتأنيسًا لهن، لكريم عشرته وعظيم رأفته ورحمته. 4- ومن حسن عشرته
وكريم خُلقه صلى الله عليه وسلم ما أفادته السيدة عائشة - رضي الله عنها - بقولها: كنتُ أشرب
وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب،
واتعرق العَرْقَ وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع
فِيَّ. (مسلم). وفي رواية: كنت أتعرق العَرْق وأنا حائض فأعطيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه، وكنت أشرب من القدح فأناوله
إياه فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب. أبو داود. ( ج ) وأما حلمه صلى الله عليه وسلم عن
إساءتهن وصبره على أذيتهن فهو في ذلك المثل البشري الأعلى، بحيث لم يسمع بأحد كان
أحلم عن نسائه كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك مع عظيم جنابه،
ورفيع قدره، وسُموِّ منزلته عند الله تعالى وعند الناس، ولقد مرَّ بك من الدلائل
على ذلك في مبحثي الصبر والحلم ما فيه الكفاية للاستدلال على ما قلت عمومًا، لكني
أزيد هنا ما هو أمس في الدلالة على الموضوع فمن ذلك ما يلي: 1- عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
قال: كنا معشر قريش نغلبُ النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار، إذا قوم تغلبهم
نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، قال: فصخَبتُ على امرأتي
فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم إلـــى الليل، قال: فأفزعني
ذلك وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن، قال: ثم جمعت عليَّ ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة
فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكُنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل ؟
قالت: نعم، قال: فقلت: قد خبتِ وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله
عليه وسلم فتهلكي ؟... (الحديث - البخاري). فانظر كيف انزعج عمر - رضي الله عنه -
من مراجعة بسيطة راجعته بها زوجته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل مراجعة نسائه،
بل ويتحمل غضبهن عليه، حتى يَهجرنه من الكلام، وهو النبي الكريم والإمام العظيم، وما
ذلك إلا لعظيم حلمه وبالغ صبره صلى الله عليه وسلم. 2- والأعجب من ذلك أنه صلى الله عليه
وسلم كان مع ذلك الحال يلاطفهن في القول، وكأنه لم يصدر منهن شيء ذو بال، فعن
عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنتِ
عنِّي راضية، وإذا كنت علي غضبى» قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك ؟ فقال: [ «أما إذا
كنتِ عنِّي راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم» قالت: قلتُ أجل
والله يا رســـــول الله، ما أهجر إلا اسمك (البخاري). 3- وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان
النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمُّهات المؤمنين بصحفة فيها
طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة،
فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي
كان في الصحفة، ويقول: «غارت أمُّكم» ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو
في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي
كسرت. البخاري. فانظر إلى مبلغ حلمه صلى الله عليه وسلم على أزواجه، حيث تظلُّ
إحداهن هاجرة له اليوم كله حتى تهجر اسمه الشريف، وتستطيل إحداهن بيدها بين يديه على
ما يخالف الواجب في حقه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك فهو يُغضي عن ذلك ويحلم
ويصبر ويصفح، وهو القادر على أن يفارقهن، فيبدله ربه خيرًا منهن مسلمات مؤمنات
قانتات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً، كما وعده ربه سبحانه إن هو طلَّقهن، ولكنه
كان رؤوفًا رحيمًا، يعفو ويصفح ولا يزيده كثرة الجهل عليه إلا حلمًا. ( ح ) وأما
الوفاء لهن فلعله قد علم مما تقدم عن خلق الوفاء، وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم
له في بابه، لا سيما مع زوجه خديجة - رضي الله عنها -،
حتى بلغ من وفائه أن غارت منها عائشة - رضي الله عنها - وهي لم تدركها ولم تضارها
حتى قالت: 1- ما غِرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما غرت على خديجة لكثرة
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وثنائه عليها (البخاري). 2- ومن صور
وفائه معهن أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية التخيير ( {يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن
الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن ســــــراحًا جميلاً} [الأحزاب: 21]
بدأ بعائشة وقال لها: «إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك...» (البخارى).
خشية منه أن تختار زينة الحياة الدنيا لصغر سنها، فتخسر الخير الكثير في الدنيا
والآخرة، لكنها كانت أحرص على خير نفسها من أبويها، فقالت للنبي صلى الله عليه
وسلم: أفي هذا أستأمر أبويَّ ؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. ثم استقرأ
الحُجَر ( البيوت ) يخبر نساءه ويقول لهن: إن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كذا
وكذا فقلن: ونحن نقول مثل ما قالت عائشة - رضي الله عنهن - كلهن وكانت عائشة - رضي الله عنها -
قد قالت له بعد ما أختارت الله ورسوله:
وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترتُ، فقال صلى
الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني مُعَنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً
ميسراً، لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتهـــا» (متفق عليه). فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة،
وذلك يدل على أنهن - رضي الله عنهن
- كنَّ قد تخلَّقن بأخلاق النبوة، فأصبحن يخترن ما
اختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه من الزهادة في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وذلك
لبالغ تأثرهن بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت محل العظمة والكمال. ( د ) أما عدله
صلى الله عليه وسلم بين أزواجه، فهو على نحو ما قلت من حبه وملاعبته وحلمه ووفائه،
وعدل ناشىء عن الشعور بالمسؤولية، ومن فِطرة الله تعالى له على الحق والعدل وبعثه
بهما: 1- فقد كان صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: لا يفضِّل
بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قلَّ يوم يأتي إلا وهو يطوف علينا
جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبغ إلى التي هو يومُها فيبيت عندها
(أبوداود). 2- ولم يكن يتغير حاله صلى الله عليه وسلم في العدل تبعًا لتغير
أحواله سفرًا وحضرًا، بل لقد كان يعدل في سفره كما يعدل في حضَره، كما قالت عائشة - رضي الله عنها
-: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيَّتهُن خرج
سهمُها خرج بها معه، قالت: وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة
بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة - رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه
وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم (البخارى). تعني بذلك لمَّا كبرت، وأضحت لا إربة
لها في الرجال. 3- وكان من عدله صلى الله عليه وسلم بينهن أنه كان إذا تزوج
ثيِّبًا أقام عندها ثلاثًا لإيناسها، ثم يقسم لها كسائر نسائه، كما روت أم سلمة -
رضي الله عنها -، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام عندها ثلاثًا، وقال لها:
«إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئتِ سبَّعت لك -أي: أقمت عندك سبعاً- وإن سبَّعت لك
سبَّعت لنسائي» قالت: ثلِّث (مسلم).
4- ولقد بلغ به الحال في عدله صلى الله عليه وسلم أنه لم
يفرِّط فيه حتى فــــــي مرض موته، حيث كان يُطاف به عليهن في بيوتهن كل واحدة في
نوبتها، قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: لمَّا ثقُل النبي صلى الله
عليه وسلم، واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرَّض في بيتي فأذنَّ له... (الحديث -
البخارى). 5- وفي رواية قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات
فيه: أين أنا غدًا ؟ يريد يوم عائشة، قالت: فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان
في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في
بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نَحْري وسَحْري وخالط ريقه ريقي (البخاري). 6- ومع ما كان
عليه صلى الله عليه وسلم من كمال العدل بين نسائه في كل ما يقدر عليه مما هو ( فى
يده / فإنه مع ذلك كان يعتذر إلى الله تعالى فيما لا يقدر عليه مما هو ) خارج عن
نطاق التكليف، كما قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: «اللَّهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك
ولا أملك» ( أبو داود ) وهو يعني بذلك القلب كما فسَّره به أبو داود، وقيل: يعني
الحب والمودة، كما فسره الترمذي، والمعنى: أن القسمة الحسِّية قد كان صلى الله
عليه وسلم يوفِّي بها على الوجه الأكمل لأنها بيده، لكن القلب بيد الله، وقد جعل
فيه حب عائشة أكثر من غيرها، وذلك خارج عن قدرته وإرادته. ومع ذلك فهو يضرع إلى الله أن لا يلومه
على ما ليس بيده، مع أن الأمر القلبي لا يجب العدل فيه، وإنما العدل في المبيت
والنفقة، ولكن هذا من باب قول الله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
أنهم إلى ربهم راجعون} [المؤمنون: 60].
مما يدل على أن أمر العدل بين الزوجات خطير كما بينه صلى
الله عليه وسلم في حديث آخر حيث قال: «من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم
القيامة وشــِقه ساقط». وفي رواية ( مائل ) أبو داود وغيره. وفي عشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه أسوة للمؤمنين، وعليهم معرفتها والتأسي بها لقول الله تعالى: {لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} [الأحزاب:
21] لأن فعله صلى الله عليه وسلم كقوله وتقريره، تشريع لأمته، وهدى لهم، يجب عليهم
الاقتداء به ما لم يكن الفعل خاصاً به.
حثه صلى الله عليه وسلم الرجال على حسن معاشرة أزواجهم: ومع ذلك فقد دل
النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما تنبغي أن تكون عليه العشرة الزوجية بقوله،
كما دلهم على ذلك بفعله، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أحاديث
كثيرة أقتطف منها ما يأتي من ذلك:
1- ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من
ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه، فإذا ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج،
فاستوصوا بالنساء خيراً». وفي رواية عند مسلم: «وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها» فانظر كيف جمع
النبي صلى الله عليه وسلم بين الوصية بهنَّ وبيان حقيقتهن، ليكون ذلك أدعى إلى
قبول وصيته، لأنه إذا كان طبعها العوج، فإن من الواجب على الرجل أن يصبر عليها ولا
يؤمل أن تكون مستقيمة على الصراط، فإنها تصير إلى ما جُبِلت عليه ولا بد، ولذلك
كان طلب استقامتهن على النحو الأعدل مثار تعجب الشعراء حتى قال بعضهم: هي الضِّلَعُ
العوجاء لست تُقيمها ألا إنَّ تقويم الضُّلوع انكسارُها وقال آخر فيما هو أعم منه: ومكلِّف الأشياء
غير طباعهـا متَطَلِّب في الماء جَذوة نــار 2- وما زال النبي صلى الله عليه وسلم
يكرر هذه الوصية كلما حانت الفرصة، ففي خطبة حجة الوداع أفرد لها جانبًا كبيرًا من
خُطبته العظيمة حيث قال صلى الله عليه وسلم «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن
عوانُ - أي: أسيرات - عندكم، ليس تملكون شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة،
فإن فعلن ذلك فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرِّح، فإن أطعنكم فلا
تبغوا عليهن سبيلاً، ألا وإن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقُّكم
على نسائكم فلا يوطئن فُرُشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا
وإن حقَّهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن». (مسلم). وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يكرر وصيته بالنساء، لما يعلمه من حالهن الذي بينه في الحديث السابق، وهو الحال
الذي قد لا يقدر على تحمُّله بعض الرجال الذين لا يملكون أنفسهم عند الغضب فيحمله
عوج المرأة إلى أن يفارقها فيتفرَّق شمله، وتَتَشتَّتُ أسرته وأهله. ولذا أرشد النبي
صلى الله عليه وسلم الأزواج في حديث آخر إلى ما فيه صلاح حاله مع أسرته بقوله: 3- « لا يفرك -
أي: لا يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر» مسلم. 4- وقال لهم
أيضاً: «إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله» الترمذي وغيره. 5- وقال: «خيركم
خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
6- وقال: «كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو، أو
سهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغَرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم
السباحة» (النسائى). إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المعلومة الحاثة على انتهاج
الأخلاق الحميدة مع الأهل والعشيرة.
تأديبه صلى الله عليه وسلم نساءه إذا اقتضى الأمر ذلك. ومع تلك المعاشرة
التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتهجها مع أهله أمهات المؤمنين - رضي الله
عنهن -: رحمة ورأفة وعطفاً وتلطفاً، إلا أنها لم تكن على ذلك الحال في جميع
الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكيمًا يضع كل تصرف في مكانه اللائق
به، فحيث كانت تلك العشرة أجدى وأولى انتهجها، وإذا كان التأديب والزجر والهجرة هو
الأجدر اتخذه لأنه كما قيل: ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يًكدَّرا فالنساء
بما فطرن عليه من الاعوجاج، وحدة العاطفة، يحتجن حتماً إلى تقويم وتربية وتأديب،
ولأجل هذا خوَّل الله تعالى الرجال هذه المسؤولية حيث قال: {الرجال قوامون على النساء بما فضل
الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ
الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا
تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} [النساء: 34]. والنبي صلى الله عليه وسلم في عشرته
مع أهله لم يستغن عن اتخاذ هذا الأسلوب ليكون أسوة لأمته في التربية والتأديب. فإنه عليه الصلاة
والسلام لما سأله نساؤه النفقة الخارجة عن حده، وأردن التوسع في الدنيا ولذَّاتها،
خلاف ما اختاره لنفسه منها، هجرهُنَّ وآلى من الدخول عليهن شهراً، حتى أنزل الله
تعالى عليه: {يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين
أمتعكن واسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الاخرة فإن الله أعد
للمحسنات منكن أجراً عظيما} [الأحزاب: 28 - 29]، فخيَّرهن النبي صلى الله عليه
وسلم في البقاء معه على الكفاف، أوالمفارقة فاخترن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
كما تقدمت الإشارة إلى ذلك من حديث أنس وأم سلمة وابن عباس في الصحيحين وغيرهما. وهكذا كان عليه
الصلاة والسلام إذا جد الجد في معاملته لهن، بأن أخطأن خطأ لا يمكن التغاضي عنه،
وذلك بأن كان دينياً، فإنه لا تأخذه في الإنكار عليهن وزجرهن في الله لومة لائم،
فكان يعظ، ويوجِّه، ويخوف، ويغضب،.. بحسب مقام كل قضية مما هو معلوم ولا يخفى أمره. وهذا مما يدل على
تكافؤ أخلاقه صلى الله عليه وسلم وتوازنها، حيث يضع كل أمر في نصابه ومحله اللائق
الذي لا ينبغي غيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق